الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)
.فتح باربد من السند. وبعث المهدي سنة تسع وخمسين عبد الملك بن شهلب المسمعي في جمع كثير من الجند والمقطوعة إلى بلاد الهند فركبوا البحر من فارس ونزلوا بأرض الهند وفتحوا باربد فافتتحوا عنوة ولجأ أهلها إلى البد فأحرقوه عليهم فاحترق بعض وقتل الباقون واستشهد من المسلمين بضعة وعشرون وأقاموا بعض أيام إلى أن يطيب الريح فوقع فيهم موتان فهلك ألف فيهم إبراهيم بن صبيح ثم ركبوا البحر إلى فارس فلما انتهوا إلى ساحل حران عصفت الريح فانكسرت عامة مراكبهم وغرق الكثير منهم..حج المهدي. وفي سنة ستين حج المهدي واستخلف على بغداد ابنه الهادي وخاله يزيد بن منصور واستصحب ابنه هرون وجماعة من أهل بيته وكان معه الوزير يعقوب بن داود فجاء في مكة بالحسن بن إبراهيم الذي ضمنه على الأمان فوصله المهدي وأقطعه ولما وصل إلى مكة اهتم بكسوة الكعبة فكساها بأفخر الكسوة بعد أن نزع ما كان عليها وكانت فيها كسوة هشام بن عبد الملك من الديباج الثخين وقسم مالا عظيما هنالك في مصارف الخير فكان منه مما جاء به من العراق ثلاثون ألف درهم ووصل إليه من مصر ثلثمائة ألف دينار ومن اليمن مائة ألف دينار ففرق ذلك كله وفرق مائة ألف ثوب وخمسين ألف ثوب ووسع المسجد ونقل خمسمائة من الأنصار إلى العراق جعلهم في حرسه وأقطع لهم وأجرى الأرزاق ولما رجع أمر ببناء القصور بطريق مكة أوسع من قصور المنصور من القادسية إلى زبالة وأمر باتخاذ المصانع في كل منها منهل وبتحديد الأميال وحفر الآبار وولى على ذلك بقطير بن موسى وأمر بالزيادة في مسجد البصرة وتصغير المنابر إلى مقدار منبر النبي صلى الله عليه وسلم وأمر في سنة سبع وستين بالزيادة في الحرمين على يد بقطير فدخلت فيه دور كثيرة ولم يزل البناء فيهما إلى وفاة المهدي..نكبة الوزير أبي عبد الله. كان أبو عبد الله الأشعري قد اتصل بالمهدي أيام أبيه المنصور فلطفت عنده منزلته واستوزره وسار معه إلى خراسان وعظمت به بطانة المهدي فأكثروا فيه السعاية وكان الربيع يدرأ عنه ويعرض كتبه على المنصور ويحسن القول فيه فكتب المنصور إلى المهدي بالوصاية به وأن لا يقبل فيه السعاية ولما مات المنصور قام الربيع ببيعة المهدي وقدموا إلى بغداد جاء الربيع إلى باب أبي عبد الله قبل المهدي وقبل أهله فعذله ابنه الفضل على ذلك فقال: هو صاحب الرجل وينبغي أن نعامله بغير ما كنا نعامله وإياك أن تذكر ما كنا نصنع في حقه أو تمنن بذلك في نفسك فلما وقف ببابه أمهله طويلا من المغرب إلى العشاء ثم أذن له فدخل عليه وهو متكئ فلم يجلس ولا أقبل عليه وشرع الربيع يذكر أمر البيعة فكفه وقال: قد بلغنا أمركم فلما خرج استطال عليه ابنه الفضل بالعذل فيما فعل بأن لم يكن الصواب فقال له: ليس الصواب إلا ما عملته ولكن والله لأنفقن مالي وجاهي في مكروهه وجد في السعاية فيه فلم يجد طريقا إليها لاحتياطه في أمر دينه وأعماله فأتاه من قبل ابنه محمد ودس إلى المهدي بعرضه لحرمة وأنه زنديق حتى لا استحكمت التهمة فيه أحضره المهدي في غييبه من أبيه ثم قال له: إقرأ فلم يحسن فقال لأبيه: ألم تقل أن ابنك يقرأ القرآن؟ فقال: فارقني منذ سنين وقد نسي فأمر به المهدي فقتل واستوحش من أبي عبد الله وساءت منزلته إلى أن كان من أمره ما نذكره وعزله عن ديوان الرسائل ورده إلى الربيع وارتفعت منزلة يعقوب بن داود عند المهدي وعظم شأنه وأنفذ عهده إلى جميع الآفاق بوضع الأمناء ليعقوب وكان لا ينفذ كتاب المهدي حتى يكتب يعقوب إلى يمينه بانفاذ ذلك..ظهور دعوة العباسية بالأندلس وانقطاعها. وفي سنة إحدى وستين أجاز عبد الرحمن بن حبيب الفهري من أفريقية إلى الأندلس داعية لبني العباس ونزل بساحل مرسية وكاتب سليمان بن يقطن عامل سرمقسطة في طاعة المهدي فلم يجبه وقصد بلاده فيمن معه من البربر فهزمه سليمان وعاد إلى تدبير وسار إليه عبد الرحمن صاحب الأندلس وأحرق السفن في البحر تضييقا على ابن حبيب في النجاة فاعتصم بجبل منيع بنواحي بلنسية فبذل عبد الرحمن فيه المال فاغتاله بعض البربر وحمل رأسه إليه فأعطاه ألف دينار وذلك سنة اثنتين وستين وهم عبد الرحمن صاحب الأندلس أمر ذلك لغزو الشام من الأندلس على العدوة الشمالية لأخذ ثأره فعصى عليه سليمان بن يقطن والحسين بن يحيى بن سعيد بن سعد عثمان الأنصاري في سرقسطة فشغلوه عما اعتزم عليه من ذلك.
|